لمن سيصوت عرب ومسلمو أميركا؟ بقلم إميل أمين
على عتبات الانتخابات الرئاسية الأميركية، يطفو تساؤلٌ مهمّ وحيويّ: "لمن سيُصَوِّت عرب ومسلمو أميركا في انتخابات الرئاسة القادمة 2024؟ وهل تصويتهم هذه المرة له مشروطيّات معينة، بمعنى ارتباط عملية الاقتراع بسياسات كلٍّ من المرشحَيْن، الرئيس الحالي بايدن مرشَّحًا عن الديمقراطيّين والرئيس السابق ترامب مرشّحًا عن الجمهوريّين؟
يبدو جليًّا أنّ توجهات عرب ومسلمي أميركا في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبلة، مختلفة كل الاختلاف عما ذهبت به المقادير في انتخابات 2020. في المرة الماضية، بدا وكأنّ هناك من بينهم النفر الكثير والكبير ممّن يحاولون معاقبة ترامب، لا سيّما أنه أقدم على ما عجز عنه كافّة رؤساء أميركا السابقين منذ هاري ترومان، أي وقت إعلان دولة إسرائيل، وحى زمانه، أي قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، كما أنه استهلَّ ولايته اليتيمة بإجراءات غير دستورية تطَلَّع فيها إلى منع دخول مواطني دول مسلمة إلى لولايات المتحدة، قبل أن يبطل القضاء الأميركي هذا الإجراء.
في هذا السياق صوت نحو 59% من عرب ومسلمي أميركا لصالح المرشَّح الديمقراطي جو بايدن، غير أن استطلاعات الرأي هذه المرة تشير إلى تغيّرات جوهرية في مسارات التصويت، ومنها ما صدر عن مؤسسة "الأخوين زغبي" لاستطلاعات الرأي، وفيها أن 17% فقط منهم سيصوتون لبايدن.
تاريخيًّا، كان عرب ومسلمو أميركا يميلون للتصويت للحزب الديمقراطي ومرشّحه، حيث إنّه كان دائمًا الأقرب للمهاجرين، والمتحلل بصورة أو بأخرى من تبعات المَدّ اليمينيّ المتعاظِم عند الحزب الجمهوريّ.
ولعله من نافلة القول إن العالم العربي قد دفع ثمنًا غاليًا وعاليًا من أمنه وسلامه، خلال سنوات حكم الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن، والتي قاد فيها حربَيْن كبيرتَيْن في أفغانستان والعراق، ناهيك عن حرب شعواء ضدّ ما أطلق عليه الإرهاب المتأسلم في عموم المنطقة، الأمر الذي ترك انطباعات بأن الرجل ليس صديقًا للعرب ولا للمسلمين.
الأرقام بحسب "زغبي" لا تكذب ولا تتجمّل، فللمرّة الأولى منذ نحو ربع قرن تقريبًا من إجراء استطلاع آراء الناخبين العرب الأميركيّين، لا تزعم الأغلبية بينهم أنها تفضل الحزب الديمقراطي.
تاريخيًّا وفي الفترة ما بين السنوات 2008 و2016، أي من نهاية ولايتَيْ بوش الابن إلى ولاية دونالد ترامب، فاق عدد الديمقراطيين الأميركيين العرب عدد الجمهوريِّين بنسبة اثنين إلى واحد. هل الوضع مختلف هذا العام وبصورة تتهدّد حظوظ الرئيس بايدن في البقاء في البيت الأبيض لسنوات أربع أخر؟
من الواضح أن هناك تغيرًا ما حدث، ففي استطلاعات العام الحاليّ، أشار 32% من الأميركيين العرب إلى كونهم جمهوريين، مقارنة بـ23% فقط ممن قالوا إنهم يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين.
ما الذي دفع العرب والمسلمين في الداخل الأميركي إلى تغيير مواقفهم من الرئيس بايدن على هذا النحو المؤثّر والفاعل؟
حكمًا الجواب لا يحتاج إلى الكثير من النشاط الذهني، فقد جاء الدعم الأدبي والمادي من جانب سيد البيت الأبيض لدولة إسرائيل، بعد أزمة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العالم الماضي، لتختصم الكثير من الحياد والنزاهة، ولتكتب شهادة أقرب ما تكون للوفاة تجاه اعتبار الولايات المتحدة شريكًا عادلاً أو وسيطًا موثوقاً فيه للوصول إلى حلٍّ عادل لأزمة طالت عقودا كثيرة، وبدون أمل في حلٍّ سلميّ.
على أن التساؤل التقنيّ إن جاز التعبير، هل يمكن لتصويت هذه الكتلة الانتخابيّة، التي تصل إلى قرابة الثلاثة ملايين صوت أن تشكل فرقًا وتحدث أثرًا نهار الخامس من نوفمبر القادم، يوم القارعة الانتخابية؟
بكل تأكيد يمكن أن يكون لأصوات هؤلاء أثرٌ فارق، لا سيّما فيما يُعرَف بالولايات المتأرجحة، وهي ميتشيغان وفيرجينيا وجورجيا وأريزونا وبنسلفانيا.
خذ إليكَ على سبيل المثال ولاية ميتشيغان، فهناك نحو 278 ألف نسمة من أصول عربية وإسلامية، وفي جراند كانيون بولاية أريزونا نحو 60 ألفا، وفي جورجيا 57 ألفًا، هؤلاء يمكنهم دون أدنى شكٍّ تغيير دفة التصويت وحسم بعض من تلك الولايات المتأرجحة.
يَعِنُّ للمرء أن يتساءل هل سيبقى هذا الوضع على هذا الحال والمنوال حتى نوفمبر القادم موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، أم أن الأمر قابل للتغير وفقًا لمعطيات السياسة الخارجية الأميركية؟
المتابع للمشهد الأميركي الداخلي يدرك تمام الإدراك أن هناك حالة من القلق تعتري إدارة الرئيس بايدن تجاه تصويت هؤلاء، وقد أدركت حملة صاحب البيت الأبيض أن هذه الأصوات إن لم تذهب لترامب، فإنّها لن تكون من نصيب رئيسهم بحالٍ من الأحوال.
في هذا السياق بدا واضحًا أن هناك محاولات جدية لتغيير مسار الأحداث، وهو أمر لعبت فيه نائبة الرئيس كمالا هاريس دورا مهمًّا في عقد اللقاءات مع قيادات الجالية العربية والإسلامية في أميركا، بعضها جرى في البيت الأبيض، والآخر خارجه في أماكن تجمّعات عربية.
الأمر الآخر الذي تحاول من خلاله إدارة بايدن تخفيف حدّة الغضب الداخلي العربي والإسلامي منها، تمثل في تبنّي خطة لمكافحة ما يعرف بـ"الإسلاموفوبيا"، في عموم القارة الأميركية، وهو ما تعزّز مؤخرًا من خلال قرار الأمم المتحدة المماثل، والذي لقي استحسانًا كبيرًا من الجميع في الداخل الأميركي وفي الخارج.
على أن الأمر الآخر الذي تحاوله إدارة بايدن في الأسابيع الأخيرة، هو محاولة إظهار غضبتها من حكومة نتنياهو، وقد كانت المرّة الأولى التي لا تستخدم فيها واشنطن حق النقض- الفيتو في مجلس الأمن، تجاه قرار يطالب إسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي اعتبره البعض بادرة جيّدة.
أضف إلى ذلك ارتفاع أصوات تنادي بحتميّة قيام دولة فلسطينية مستقلة، تسمح للفلسطينيين بالعيش بكرامة على ترابهم الوطني.
هل في الأمر مناورة سياسية انتخابية لتهدئة الخواطر المجروحة والمتألمة، لحين مرور انتخابات تبدو غير مسبوقة في كافة تحدياتها، لا سيّما بالنسبة للرئيس بايدن؟
من الواضح أن كافة محاولات البيت الأبيض كانت من قبيل المسكنات الوقتية التي لن تنطلي على عرب ومسلمي أميركا، فقد أثبتت الأحداث أن الخلاف ليس بين واشنطن وتل أبيب، بل بين بايدن ونتنياهو، أما إسرائيل الدولة الابنة الأكبر والصديقة الأقرب لأميركا، فلا يسمح ولن يسمح بتهديدها اليوم ولا الغد، لا في الحال القريب، ولا الاستقبال البعيد، والدليل على صحة هذا الكلام هو الإعلان عن صفقات سلاح أميركية هائلة في الطريق لإسرائيل.
فَقَدَ الأميركيّون العرب والمسلمون كلهم أو غالبيّتهم الثقةَ في إدارة بايدن، ونائبته هاريس تحديدًا، لا سِيّما بعد تشدُّقها بأحاديث خشبية على شبكات التلفزة الأميركية، حين توعدت بعقاب لإسرائيل حال رفضها قرار مجلس الأمن، أو المُضِيّ قدمًا في المزيد من الهجمات على رفح، في حين أظهر الواقع أن هناك دعمًا عسكريًّا مستمرًّا ومستقرًّا لإسرائيل.
يعِنّ لنا قبل الانصراف التساؤل: "هل بدا التنبه لأهمية وجود لوبي عربي في الداخل الأميركي، هذا الحلم الذي طال انتظاره؟"
غالب الظن أنّ انتخابات 2024 ستكون إيذانًا ببدء مرحلة مغايرة من الحضور الأميركي العربي والإسلامي في الداخل الأميركي.