من عصافير مجدو إلى قناة الجزيرة بقلم: جمعة الرفاعي
من عصافير مجدو إلى قناة الجزيرة بقلم: جمعة الرفاعي
ليس الهدف من هذا المقال تبني رأيا أو انتصارا لاتجاه بعينه قدر ما هو انتصار للحقيقة وللحرية في التفكير.
إن حالة المقاربة التي أود الحديث عنها هي لتسليط الضوء على أهمية الإعلام ودوره في توجيه الرأي العام ثم إن هذه المقاربة تنبع من تجربة شخصية عشتها أثناء الاعتقال، فما الرابط بين عصافير مجدو وقناة الجزيرة، المعروف أن مصطلح "عصافير" لدى الحركة الأسيرة في فلسطين يرمز إلى العملاء في سجون الاحتلال الإسرائيلي لتكون مصائد للفلسطينيين، إذن، فعصافير سجن مجدو هي لتمويه المعتقلين والأسرى الفلسطينيين أنهم موجودون بين أسرى أمنيين مناضلين لتضليل الأسير الفلسطيني لسحب اعترافات عن نشاطه ودوره في النضال الفلسطيني وفعله المقاوم، وأغلب الأسرى مروا بهذه المرحلة من التحقيق.
إن هذة المقاربة التي أود الحديث عنها تنبع من أهمية هذا الموضوع وخطورته في التضليل الذي يصيب الوعي والذي يستقطب الآراء في المجتمع الفلسطيني لزيادة انقسامه وتطرفه واللعب بوعيه وتوجيهه كما يحب الاحتلال الذي يسعى دائما إلى شق المجتمع الفلسطيني.
إن التجربة الاعتقالية التي مررت بها، فيها الكثير من التفاصيل متقاطعة مع تجارب أسرى آخرين ويطول الحديث عنها وعن أساليبها المتعددة التي يستخدمها المحقق الإسرائيلي للحصول على المعلومة من الأسير الفلسطيني، من بين التجارب التي مررت بها وأريد التركيز عليها لتكون مقاربة مع قناتي الجزيرة والعربية التي يشاهدها معظم الجمهور العربي والفلسطيني حيث يستقي منهما معلوماته وأخباره واطلاعه على مجريات الأحداث السياسية والاجتماعية والتقلبات التي تحدث هنا وهناك خاصة فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني هي تجربتي مع "العصافير".
أثناء فترة التحقيق داخل مركز "المسكوبية" وهو مركز تحقيق زاره معظم الأسرى الفلسطينيون الذين تم التحقيق معهم قبل نقلهم إلى السجون المركزية المتعددة والموزعة في جغرافيا فلسطين ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر سجن عسقلان وجلبوع وهدريم ونفحة والدامون وغيرها من المعتقلات، في أحد مراحل التحقيق تم نقلي من داخل غرف التحقيق في المسكوبية إلى قسم فيه غرفة واسعة تضم مجموعة من "الأسرى الفلسطينيين" أو هكذا تم تسميتهم لإيهامي أنني أنهيت فترة التحقيق، لقد قام هؤلاء الأسرى بكل ما يمكن أن يدل على أي شيء إلا أن يكونوا أسرى فلسطينيين وذلك عن قصد حتى أتيقن أنني موجود بين أناس بعيدين كل البعد عن الواقع النضالي والتجربة النضالية الفلسطينية، فكان سلوكهم يدل على أنهم عملاء ولا تربطهم أية صلة بالأسرى الفلسطينيين وهذا كان عن قصد متقن تمهيدا للمرحلة التي يتم فيها نقلي لاحقا إلى "العصافير" في "سجن مجدو" فكانوا بالتجربة التي وضعوني فيها في عصافير التحقيق في مركز تحقيق المسكوبية إيهامي أنني مررت بتجربة العصافير و بهذة المرحلة من التحقيق التي يمر بها الأسير الفلسطيني، ولكن كان القصد منها التمهيد لنقلي إلى العصافير في سجن مجدو ورافقني إلى هذه المرحلة مجموعة من الأسرى الذين لي علاقة معهم من الخارج قبل الاعتقال سواء بالمعرفة البعيدة أو المعرفة القريبة حتى يتم التمويه أننا في سجن حقيقي وهو ما يريده المحقق الإسرائيلي من الإيقاع بالأسير لسحب المعلومات التي يريدها.
إذا نحن نتحدث عن تجربتين من العصافير، التجربة الأولى هي تجربة مكشوفة للغاية جدا بحيث يدرك الأسير الفلسطيني أنه بين عملاء وجواسيس والتجربة الأخرى هي التي يتم فيها التمويه على الأسير الفلسطيني أنه بين أسرى فلسطينيين حقيقيين، في المرحلة الأولى يريدون منك وبسهولة أن تكتشف وتعرف أنك في وضع ومكان مشبوه لتكون حذراً من كل ما يحيط بك من تفاصيل وذلك عن قصد من "الأسرى – العصافير" الموجودين معك، أما في المرحلة الثانية ونحن نتحدث عن مرحلة الإيقاع الحقيقي بالأسير الفلسطيني ففيها كل ما يمكن أن يصيب الأسير من غشاوة وغبن بحيث يطمئن أنه في داخل معتقل حقيقي للإدلاء بمعلومات واعترافات لزملائه، ثم يتم نقل هذه الاعترافات من قبل هؤلاء "العصافير- الجواسيس" إلى المحقق مرة أخرى ليتم مراجعة الأسير بها عند الانتهاء من فترة التحقيق في غرف العصافير، والكثير من الأسرى الفلسطينيين وقعوا ضحايا في هذه المرحلة من التحقيق حيث أدلوا بمعلومات هائلة للمحقق الإسرائيلي عن طريق إيهامهم أنهم في سجن رغم أن هذا السجن هو عبارة عن مركز تحقيق، إن هاتين المرحلتين من التحقيق تشبهان إلى حد بعيد قناتي العربية والجزيرة، فقناة العربية هي بمثابة التجربة الأولى من غرف العصافير التي توهم المستمع والمشاهد الفلسطيني أن هذة القناة بعيدة عن قضاياه وعن همومه الوطنية والاجتماعية وأنها في صف الأعداء وتتبنى النظرة النقيضة لكل طموحات الشارع الفلسطيني أو الشارع العربي ونخص هنا الشارع الفلسطيني والمجتمع الفلسطيني الذي يستقي جزءا من معلوماته من هذه القناة فتكون القدرة على فهم حقيقة قناة العربية واضحة جدا للمشاهد والمستمع بحيث يستشعر خطر متابعتها مما يولد لديه رغبة بالتوقف عن متابعتها ومشاهدتها وهذه سياسة مقصودة من القناة، فهم يريدون من المتابع والمشاهد والمستمع سهولة اكتشاف حقيقة القناة وأنها لا تهتم بقضاياه وطموحاته وتطلعاته وأحلامه فما يكون من المستمع والمشاهد إلا العزوف عن مشاهدة هذه القناة وبالتالي سيكون خياره الثاني والأكيد هو قناة الجزيرة حيث يتم القبض على وعيه، وهي القناة الأكثر خطورة، إنها المصيدة والفخ المطعم للاستدراج، حيث يتم فيها تشكيل وإعادة صياغة الوعي بما يخدم مطامع المستعمر والمحتل في السيطرة على المجتمع الفلسطيني.
خطورة قناة الجزيرة بعكس قناة العربية أنها توهم المستمع والمشاهد بالاهتمام بقضاياه وطموحاته وتعبر عن تطلعاته بحيث تكسب ثقته، بعد ذلك تبدأ في إعادة صياغة الأخبار وإعادتها إلى المستمع والمشاهد من خلال تقاريرها ومراسليها وتناولها للقضايا وعملية غسل الأدمغة ويكون ذلك بعد كسب ثقة المستمع والمشاهد، فتكون بمثابة الناطق والمعبر عن همومه وتطلعاتة وقضاياه فيقع ضحية لبرامجها وتقاريرها. وربما أحد أكبر الأخطار الذي تمارسه الجزيرة هو تبنيها للخطاب الإسلامي بحيث يتم تشكيل وعي ديني جديد وتشكيل خطاب ديني جديد لضرب الإسلام نفسه من خلال تسريب معالم ومفاهيم غريبة على الإسلام لأدلجته وتمييعه وتيئيس معتنقيه ومن ثم خلق الأسباب لإقصائهم وذبحهم وهذا هو المطلوب لأن الإسلام يحوي في مضامينه الحقيقية ردا حضاريا على الكثير مما تعانيه البشرية اليوم.
إن من افتتح قناة الجزيرة هو شمعون بيريز ثعلب السياسة الإسرائيلية وشغل عدة مناصب في دولة الاحتلال أهمها وزارة الخارجية ورئيسا لوزراء حكومة الاحتلال، وبالتالي فإنها تطبق بروتوكولات حكماء صهيون فيما يخص الجانب الإعلامي. أنا هنا لا أريد الحديث عن آراء الناس وآراء المستمعين في هاتين القناتين بقدر ما أعكس تجربة من داخل المعتقل إلى هاتين القناتين اللتان يوجد مقاربة شديدة بينهما وتشعر أن العقل نفسه هو الذي يقوم بإدارة قناة العربية وقناة الجزيرة على حد سواء وبالتالي فإن هذه التجربة الاعتقالية التي مررت بها تشبه إلى حد التطابق تماما فيما لو قمنا بعملية مقارنة ومقاربة بقناتي العربية والجزيرة؛ فيقابل فترة التجربة الأولى في الاعتقال بما يخص "عصافير" سجن المسكوبية قناة العربية وأما التجربة الثانية لدي فيما يخص "عصافير" سجن مجدو يقابلها قناة الجزيرة.
إن الإيهام والتضليل والتزييف والإيقاع بالعقل هي عملية مدروسة لا تتم بطريقة عشوائية وبالتالي فإن الحذر واليقظة والانتباة لكل ما يحدث ولكل ما يصل ولكل ما يصدر من وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي هو مسؤولية شخصية وفردية بالأساس ومسؤولية عامة عند الكل لذا وجب التوضيح لكل من يستقي معلوماته وأخبار ومصادر معرفته من الإعلام. وللحديث بقية.