دُكت الضاحية على رؤوس ساكنيها واشتعل الجنوب.. فأين جيش لبنان من كل ما يجري؟
مهمة كل جيش في هذا العالم هي حماية حدود بلاده وصد أي عدوان خارجي، لكن ذلك لا يحصل إلا في مناسبات قليلة في حالة الجيش اللبناني مع إسرائيل، وذلك لأسباب تمتد من بيروت إلى واشنطن.
عندما أطلقت إيران هجومها الصاروخي الأخير على إسرائيل، مساء الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، كتبت المغنية اللبنانية الشهيرة إليسا على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) تتساءل عما إذا كان الرد الإيراني انتهى عند هذا الحد.
فجاءها تعليق من أحد المتابعين: "نحن ننتظر رد الجيش اللبناني".
وفي الحقيقة، تمنع أسباب عديدة الجيش اللبناني من الدخول في مواجهة واسعة مع إسرائيل، رغم أن الأخيرة تشن منذ 23 أيلول/ سبتمبر الماضي حملة عسكرية واسعة في لبنان، دمرت فيها مواقع للجيش.
"أميركا تمنع"
ظهر وزير خارجية لبنان السابق والسياسي البارز، جبران باسيل، في مقابلة تلفزيونية قبل ثلاثة أشهر، وقال بصراحة: "جيشنا ممنوع من التسلح، والذي يمنع ذلك كل القوى الداعمة لإسرائيل، خوفاً من أن يستطيع الجيش مواجهة إسرائيل".
وأكد أن الولايات المتحدة هي أكبر داعم للجيش اللبناني "لكن ضمن حدود بحيث لا يحصل على سلاح يهدد إسرائيل".
ورغم أن باسيل أكد خلافه مع حزب الله، إلا أنه أقر بأن الحزب تمكن ليس من طرد إسرائيل من لبنان فحسب، بل صنع أيضا توازناً على الحدود ومنع الاعتداء على بلاده، ولو كان الأمر غير ذلك "لا تتخيل ماذا ستصنع في لبنان".
وثيقة أمريكية
تقول وثيقة منشورة في مركز أبحاث الكونغرس، وهو أحد أبرز معلومات المشرعين الأمريكيين، إن سياسة الولايات المتحدة في لبنان "تقضي بمواجهة نفوذ إيران وسوريا وحزب الله فيه، ومن أجل تحقيق هذه الغاية، سعت الولايات المتحدة لتمكين القوات المسلحة اللبنانية".
وتضيف الوثيقة: "منذ العام المالي 2021، ظلت المساعدات الأمريكية للبنان مستقرة في حدود 285 مليون دولار، غالبيتها عسكرية، وهناك 150 مليون دولار مطلوبة للسنة المالية 2025 لدعم الجيش اللبناني، وفي المجمل قدمت واشنطن في العام 2006 مليارات الدولارات للجيش اللبناني".
إذن، تملك الولايات المتحدة عصا يمكن أن تستخدمها ضد الجيش اللبناني في حال دخل في مواجهة مع إسرائيل، فبمجرد وقف المساعدات الأمريكية، سيدخل الجيش اللبناني في محنة كبرى.
وتنشر السفارة الأمريكية لدى بيروت بانتظام صوراً لما تقول إنها مساعدات عسكرية للجيش اللبناني، لكنها مساعدات لا تُخل بالتفوق النوعي لإسرائيل في المنطقة، وهو الأمر الذي يؤكد عليه كل رئيس أمريكي.
أسباب عسكرية وسياسية
الجيش اللبناني يعاني كثيراً، فعديده قليل وعتاده أقل، مما يعني أن دخوله في أي حرب لا يعني إلحاق خسائر بشرية ومادية فيه فحسب، بل ربما تؤدي الحرب إلى تدميره بالكامل، خاصة إذا نظرنا إلى التفوق الجوي الهائل الذي تتميز به إسرائيل، صاحبة أكبر سلاح جو في الشرق الأوسط كلها، وهي الوحيدة في المنطقة التي تملك مقاتلات "أف- 35" الأكثر تطوراً في العالم.
وبحسب معلومات كتاب الحقائق التابع لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي أي"، فإن عديد الجيش اللبناني يصل إلى 73 ألف عسكري، غالبيتهم العظمى في القوات البرية التي تتكون من 70 ألف جندي وضابط، وفي المقابل، فإن الجيش الإسرائيلي يضم أكثر 170 ألف جندي.
أما أسلحة الجيش اللبناني فغالبيتها قديمة وهي مقدمة من دول عدة، وفي السنوات الأخيرة أصبحت الولايات المتحدة المورد الرئيسي لأسلحة للجيش اللبناني، وتحديداً منذ الأزمة المالية في عام 2019، وفق مصدر المخابرات الأمريكية.
ويتلقى الجيش اللبناني مساعدات من دول عدة، ووصلت هذه المساعدات إلى أن تكون غذائية.
ويقول الصحفي اللبناني، رضوان مرتضى، لـ "يورونيوز": "إن الجيش اللبناني لا يمتلك القدرة، فهو يفتقد لتشكيلات حرب العصابات والبنية التحتية والصواريخ ومضادات للطائرات. باختصار، إنه لا يملك شيئاً".
وفوق ذلك، لا يملك الجيش قراراً سياسياً بالقتال، بحسب مرتضى، لأن الحكومة تعتبر أنه في حال أطلق الجيش اللبناني النار على إسرائيل، فإن الأخيرة ستدمر كل شيء في لبنان، بما في ذلك البنية التحتية.
وفي ظل هذا الضعف، يرفض حزب الله تسليم سلاحه، إذ يقول إنه ضمانة لأمن لبنان، وسيعمد إلى تسليم سلاحه، في حال جرى تسليح الجيش اللبناني، وهو ما يبدو بعيد المنال.
لكن الجيش يستطيع
وتقول حقائق من التاريخ ومصادر لبنانية إن الجيش اللبناني دخل وسيدخل في مواجهات مع الإسرائيليين، لكن على نطاق محدود وضمن إمكانياته المتواضعة.
ويتفق مع ذلك مرتضى، إذ قال إن الجيش قد يخوض معارك في حال اقتربت القوات الإسرائيلية من مواقعه "كقتال فردي، لكن في مواجهة بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي، فمستحيل أن يصمد أكثر من عدة أيام".
وسبق للجيش اللبناني أن خاض سلسلة اشتباكات مع الجيش الإسرائيلي خلال سنوات الصراع.
ومن بين هذه المواجهات، تلك التي وقعت عام 1993، وسمّتها إسرائيل "تصفية الحساب"، حيث تصدى الجيش اللبناني للقوات الإسرائيلية، وتكرر الأمر في حرب عام 2006، إذ تمكن الجيش اللبناني من إحباط محاولات إنزال إسرائيلية متكررة.
المصدر: euronews