عن المقاطعة .. كيف تعاملت "الجامعة العربية" مع الصحف العبرية قبل 90 عاما

عن المقاطعة .. كيف تعاملت "الجامعة العربية" مع الصحف العبرية قبل 90 عاما

محطات في تاريخ الإعلام الفلسطيني

عن المقاطعة .. كيف تعاملت "الجامعة العربية" مع الصحف العبرية قبل 90 عاما

عماد الاصفر
كتب: عماد الأصفر

استاذ الاعلام في جامعة بيرزيت

في المنبر العام بجريدة "السلام" وهي جريدة صهيونية كانت تصدر باللغة العربية، في عدد 6 آذار 1930 كتب عبد الحق تحت عنوان المقاطعة: "الحكومة أجنبية ولوزام الحياة أجنبية والمأكولات أجنبية وملبوسنا أجنبي ونزهتنا أجنبية حتى موتنا تطرقت إليه العادات الأجنبية فعلام المقاطعة؟"

وبعد ذلك يضرب أمثلة ودروسا عن دعم المنتج المحلي ليقول في الختام، إن دعم المنتج المحلي يتم بمقاطعة منتظمة وشريفة لا يتسرب إليها التهديد أو الضرب أو السلب أو إيقاف زمرة مأجورة للدعاية إلى المقاطعة والتي لا تعود بالنفع إلا على الأغنياء والذين ما زالوا لشرههم يعاملون من يريدون مقاطعتهم خفية.

في 13 آذار 1930 ترجمت جريدة الجامعة العربية ونشرت مقالا من صحيفة يهودية هي جريدة "ميشار فيتاسيا" وجعلت عنوانه المقاطعة في نظر صحيفة يهودية، وقالت إنها تعربه وتنشره لتفكهة القراء، تقول الجريدة العبرية إن المقاطعة تسببت في ارتفاع كبير للأسعار أضر بالتجار الذين أصبحوا يحتاجون إلى واسطات صعبة تكلفهم مبالغ باهظة، إضافة إلى ما يدفعونه للمحرضين على المقاطعة، وقالت إن البسطاء يريدون إنهاء المقاطعة ولكنهم يخشون رجال المقاطعة وليس لدى الحكومة قوة فعالة تسلطها على المحرضين.

وتذكر الجريدة أن بعض التجار يتحايلون على المقاطعة فيشترون من التجار اليهود بالسر، وأما أصحاب الأملاك فقد باتوا خائفين لأن أسعار الإيجارات تدنت بعد أن بدأ اليهود بترك منازلهم المستأجرة في القدس وحيفا على شكل جماعات.

في ذات اليوم كتبت "السلام" تحت عنوان المقاطعة وعاقبتها الوخيمة على البلاد وأهلها، وهذه المرة على لسان شخص اسمه عبد العزيز الشرفى ضابط بالجيش الحجازي سابقا: أن القوم مشتركون وإيانا في البلاد منذ أجيال عديدة ونياتهم نحونا سليمة وهم يريدون لنا الخير قبل ما يريدونه لأنفسهم، إن هذه هي الحقيقة الناصعة التي نعرفها ويقدرها كل رجل عاقل، فالمقاطعة وباء عظيم الوطأة على بلادنا المقدسة والواجب على كل فرد منا أن يلقي النصيحة لأخيه بعدم مقاطعة إخواننا الاسرائيليين ويصم آذانه عن صوت الأذناب الذين يعيثون فسادا في البلاد لقاء حطام الدنيا ومنافعها الفانية.

كانت "هآرتس"، وبحسب المقال الذي نقلته عنها جريدة "الحياة" في عدد يوم 20 آذار 1931، ترى أن المقاطعة أضرت بالطرفين ورأت أن المحرضين يخالفون القانون وحملتهم مسؤولية نشر البغضاء.

 

"الصراط" في 26 آذار 1931 وتحت عنوان المقاطعة؟ كتبت، أن الذي جعل الشرق يؤمن بفوائد المقاطعة ويميل إلى اتخاذها سلاحا لمقاومة المستعمرين هو ما رآه من نجاح الهنود فيها. وختمت الصحيفة بالقول إنه لا يمكن لأحد أن يقف معارضا للمقاطعة، فهي قرار شعبي ولا يستطيع أحد إجبار أحد على شراء شيء لا يريده.

في 28 آذار 1930 نشرت "فلسطين" مقالا بعنوان "المقاطعة وكيف يصورها اليهود؟" ونقلت عن مراسل يهودي يعمل لجريدة "التايمز" النيويوركية أن خطر انتشار المقاطعة يهدد بتوسيع شقة الخلاف العربي اليهودي وأن العرب يخشون على ذواتهم من مجرد التفرس في واجهات المحلات اليهودية خوفا من رجالات مدبري المقاطعة. وقالت إن من يتجرأ على الشراء من يهودي يتعرض لضرب أليم بعد تمزيق أو تحطيم مشترياته. ويرى هذا المراسل اليهودي أن المقاطعة ليست وطنية أكثر مما هي تجارية نفعية يستفيد منها التجار العرب الذين يستغلون الظروف، واستشهد على أقواله بما تذكره الصحف العربية من شكوى يومية سببها نفعية التجار العرب الذين يتحينون الفرص للكسب. ويلوم المراسل الحكومة التي قال إنها تلقي القبض أحياناً على بعض المشاغبين من الخفراء المتحمسين ولكنها لا تبذل مساعي فعالة لإنهاء هذه الفوضى المضرة بحالة البلاد الاقتصادية.

في 28 آذار نشرت جريدة "الجامعة العربية" مقالا آخر تحت عنوان "المقاطعة في نظر صحيفة يهودية"، وقالت في مقدمته إن الصحف اليهودية تقول مرة أن المقاطعة أصبحت أثرا بعد عين بفضل بعض الضباط النشيطين ثم نراها في مرات أخرى تحمل الضباط مسؤولية استمرار المقاطعة، ونقلت "الجريدة" مقالا كتبته جريدة "هاتور" الصادرة في تل أبيب وقالت مرة أخرى إنها تنقله على سبيل التفكهة فقط، مما جاء في المقال أن المقاطعة مستمرة وتتسع وأن هناك تحريضا عربيا منظما يدفع لاستمرارها ويجبر البسطاء على الشراء بأسعار مرتفعة.

وانتقلت بعد ذلك إلى تحذير العرب من عواقبها في حال قرر اليهود ترك مخازنهم أو البيوت التي يستأجرونها من العرب أو قاطعوهم. وختمت الصحيفة اليهودية مقالها بدعوة اليهود إلى التروي والتعقل وعدم الوقوع في الشباك مرة أخرى، حيث يكفي سقطتهم الأولى بإعطاء الأصوات لفخري بك النشاشيبي في انتخابات المجلس البلدي، حيث خان الأمانة وذهب مع الوفد الفلسطيني إلى لندن ليقاوم الوطن القومي لليهود والهجرة اليهودية، وخلصت الجريدة اليهودية إلى نصيحة اليهود في القدس ببناء أورشليم جديدة لهم وأن يؤسسوا لهم منازل ومحلات خصوصية تكون في معزل عن نفوذ المجلس البلدي العربي كما فعلت تل أبيب مع يافا.