عين خضر في جوف الاستيطان

عين خضر في جوف الاستيطان

الأغوار (الفارسية)- حتى أشهر مضت، كانت مياه عين خلة خضر في الفارسية بالأغوار الشمالية مكونا أساسيا في نجاح مشروع تربية أسماك الزينة للشاب رداد دراغمة بالأغوار الشمالية، مستغلا مياهها المنسابة بهدوء وبعدها عن تجمعات سكانية فيها الصخب.

رداد وهو شاب يجمع بين مهنتي الرعي والزراعة، كان قد جلب سبعة براميل بلاستيكية وحفر بركة بجانب العين، وبدأ بمشروعه الخاص، لكن مع توالي الشهور الماضية، أحكم المستوطنون قبضتهم بشكل تدريجي على العين المحاطة بأراضي الفلسطينيين الزراعية، فصار المشروع في عداد الفشل.

فبعد الشروع بترميم العين قبل عام وبنائها، بنى المستوطنون مظلة من الصفيح، ووضعوا مقاعد خشبية، ومرافق تنزه للأطفال عند العين، وهي الطريقة ذاتها التي سار عليها المستوطنون قبل عامين للاستيلاء على نبعي الحلوة والساكوت.

في مقابل ذلك، دمر المستوطنون سبعة براميل بلاستيكية تستخدم في تربية الأسماك، وأبقوا على بركة صغيرة حفرها دراغمة في سنين سابقة جانب العين. 

خلة خضر اسم دارج بين الفلسطينيين يطلق على العين، فيما أن لوحة حديدية وضعها المستوطنون قربها تعطي تعريفا جديدا للعين في خطوة تهويدية لها، محاولين تسميتها "نبع عين رنا شرفيت".

يمكن مشاهدة كاميرات مراقبة ومقاعد خشبية عند العين، فعند الاقتراب من نبع خضر تلتقط لك كاميرا المراقبة صورة، ويبدأ أحد المستوطنين بالحديث معك عن بعد من خلال سماعة مثبتة على إحدى الزوايا العليا للمظلة، فيما يستغرق قدوم المستوطنين إلى النبع دقائق معدودة.

يقول دراغمة: "اليوم أذهب مرات قليلة لخيمتي التي تركتها فارغة هناك؛ لتفقد ما تبقى من الأسماك، وري الأشجار لكنني في كل مرة أمكث فيها قليلا حتى يأتي المستوطنون بسرعة".

يكرر مواطنون أمكن لهم المجيء للمنطقة مؤخرا الكلام ذاته.

صيفا ترتفع الحرارة، وتصبح الحاجة للماء مضاعفة في المناطق الغورية، وأمكن للمواطنين تاريخيا الاستفادة من عيون الماء المنتشرة في الأغوار الشمالية، لكن بالنسبة لدراغمة وهو شاب عشريني، فقد كان يستخدم ماء العين في مشروع لتربية سمك الزينة، وري أشجار زرعها بجانب خيمة كان يسكنها قبل سنة.

ويسري تخوف كبير في نفوس المواطنين القريبين من تلك النبع، من أيام وصفوها "بالسوداء" قادمة، دلالة على مكوث المستوطنين عند النبع. فمرافق التنزه، والمقاعد، والمظلة التي وضعوها مؤخرا تدل على أن تواجدهم هناك مستمر.

تاريخيا، كانت عين ماء خلة خضر واحدة من العيون التي تركن إليها العائلات الفلسطينية في ري مزارعهم، فالعين التي تقع وسط مساحات من الأراضي الزراعية المملوكة لمواطنين من طوباس، كانت في وقت سابق زاخرة بالماء المتدفق بانسياب، والذي يصل إلى نهر الأردن الفاصل بين الضفتين الشرقية والغربية.

لكنها، كما باقي عيون المياه، بعد سنوات من احتلال إسرائيل باقي فلسطين التاريخية عام 1967، خف تدفق العين؛ بسبب سياسة الاحتلال في السيطرة على المياه الجوفية والسطحية المغذية للعيون.

وأمكن سماع شهادات من الرعيل القديم لمواطنين من الأغوار عن مزارعين كانوا يستخدمون مياه النبع لري مزارعهم، لكن بعدما قل منسوب المياه المتدفق من العين، أصبحت لا تصلح للري. غير أن مشروعا تجاريا لتربية أسماك الزينة، أنشأه دراغمة الذي كان يسكن على بعد أمتار عن العين.

يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة: "الخطوات ذاتها، نحن بانتظار مرحلة تسييج النبع ومنع الاقتراب منها". يؤكد منسق وحدة البحث الميداني في مركز أبحاث الأراضي رائد موقدي ذلك بقوله: "هناك تخوفات من عدم وقوف المستوطنين عند هذه الخطوة".

فخلال الأعوام الماضية استولى المستوطنون عدا عن خلة خضر، على نبعي الحلوة، والساكوت، وأصبح وصول الفلسطينيين إليهما يشكل خطرا عليهم.

بالنسبة لموقدي، وهو باحث ينشط في الأغوار الشمالية، فإن السيطرة على مصادر المياه يعني إفراغ المنطقة من التواجد الفلسطيني بالكامل.

يؤكد الشاب دراغمة الكلام ذاته: "كنت أسكن على مدار سنوات قرب العين، لكن البقاء هناك في ظل الوضع القائم يعني جر النفس للهلاك".

"حاليا أسكن عند والدي على بعد مئات الأمتار من العين (..)، لا يوجد أمان لأطفالي البقاء قرب النبع". يضيف دراغمة.

تقول الأرقام التي أوردها عارف دراغمة لمراسل "وفا"، إن 25 عينا جفت بالكامل في الأغوار الشمالية بفعل سياسات الاحتلال، والعيون المتبقية أصبحت لا تعطي 5% من مياهها.

وتضيف: "هناك توجه منظم من المستوطنين للسيطرة على كافة عيون المياه المتبقية في الأغوار الشمالية".

عن (وفا)