الاحتلال يحكم الخناق على خربتي حمصة الفوقا والتحتا

الاحتلال يحكم الخناق على خربتي حمصة الفوقا والتحتا

الأغوار-  صباح اليوم، كانت خربتا حمصة الفوقا والتحتا على موعد مع ظرف شاق وعصيب، فبينما طردت قوات الاحتلال عدة عائلات من مساكنها في خربة حمصة الفوقا، كانت توزع إخطارات وقف بناء في خربة حمصة التحتا، وهي إخطارات تتبعها عادة عمليات هدم.

ومع ساعات الصباح الأولى، كان المواطن عبد العزيز أبو الكباش يغادر خيمته في خربة حمصة الفوقا، تحت ضغط قوات الاحتلال التي طردت ست عائلات من مساكنها في الخربة بهدف إجراء تدريبات عسكرية على مقربة منها، حيث ستستمر التدريبات على مدار ثلاثة أيام ابتداء من اليوم وحتى الأربعاء المقبل.

غادر أبو الكباش الخربة مع زوجته وأبنائه التسعة، وغالبيتهم من الأطفال، حاملين القليل من المتاع ليتدبروا أمورهم، قاصدين الأراضي والسفوح القريبة.

يقول أبو الكباش لـ"وفا": إن المواطنين يكابدون الأمرين خلال طردهم من مساكنهم لإجراء التدريبات، فهم الآن يفترشون الأرض ويجلسون دون سقف يؤويهم تحت أشعة الشمس الحارقة، لكنهم يحاولون تخفيف المشقة جزئيا عن أطفالهم من خلال وضعهم تحت ظل شجرة قريبة.

ما يفاقم معاناة المواطنين والأطفال بشكل خاص الأجواء شديدة الحرارة في هذا الوقت من العام، والتي قد تشكل خطرا على حياتهم، وفضلا عن بقائهم في العراء دون مأوى لساعات طويلة كل يوم، يواجهون خطرا حقيقيا على مصدر رزقهم الأساسي وهو الثروة الحيوانية.

ويؤكد أبو الكباش: "غادرت خيمتي صباحا تاركا خلفي قرابة 150 رأسا من الماشية، معظمها من الخراف الصغيرة التي تحتاج رعاية خاصة وتفقدا على مدار اليوم.

رغم أن هذه التدريبات ستنتهي خلال ثلاثة أيام، إلا أن معاناة الأهالي لن تنتهي مع ذلك، فيبقى الخطر الأكبر محدقا بهم من مخلفات التدريبات والقذائف التي يتركها الجنود خلفهم والتي تشكل الخطر الأكبر على سلامة المواطنين وحياتهم في مناطق الأغوار، إضافة لاحتمال تكرار عمليات طردهم عدة مرات على مدار العام لإجراء تدريبات أخرى.

تزامنا مع طرد العائلات من حمصة الفوقا لإجراء التدريبات، كان الاحتلال يداهم خربة حمصة التحتا ويوزع إخطارات وقف بناء على العديد من العائلات، حيث تم إخطار حوالي 30 منشأة، وهناك التقينا المواطن نور بني عودة (أبو ساجد) في مسكنه المكون في معظمه من خيام وجزء بسيط منه جدران إسمنتية.

لدى وصولنا كانت الإخطارات معلقة على بعض المنشآت للعائلة ومنها حظيرة من الصفيح للماشية، ومطبخ صغير من الإسمنت والصفيح.

يقول أبو ساجد الذي جاوز عامه السبعين، إنه يقطن هذه الأرض منذ عقود، فهو يملكها أبا عن جد ويربي فيها مواشيه التي يعتاش منها، مؤكدا أن الاحتلال يرمي من وراء هذه الإخطارات التي قد يتبعها الهدم في أية لحظة إلى تهجير السكان من أراضيهم وتسهيل إقامة مستوطنات فيها.

يضيف: "أنا أملك هذه الأرض أبا عن جد ولا يحق للاحتلال أن يهدم منشآتي، وفي حال تم هدم أية منشأة سأبنيها مجددا، ولن نترك أراضينا ونرحل عنها مهما كلفنا الثمن".

على مقربة منه كانت تجلس أم ساجد بشوشة الوجه رغم كل الصعوبات المحيطة بها بفعل ممارسات الاحتلال. وتقول: "حتى لو كان الاحتلال ينوي ترحيلنا فنحن لن نترك هذا المكان، فأنا أقيم هنا منذ سنوات طويلة جدا، وهنا ربيت أبنائي السبعة وبناتي الأربع حتى كبروا جميعا وأصبحت لديهم عائلات، كما أننا نعتاش من تربية مواشينا في هذه الأرض".

بدوره، يوضح الناشط الحقوقي عارف دراغمة أن ما يجري في خربتي حمصة الفوقا والتحتا من طرد للعائلات من أجل التدريبات والإخطارات بوقف العمل يشير إلى أن الاحتلال يكثف من استهدافه لهذه المنطقة، ويحاول تهجير سكانها نهائيا لإخلائها وتوسيع المستوطنات على أراضيها الواسعة.

يشار إلى أن منطقة حمصة هي منطقة فلسطينية حيوية تقع في قلب الأغوار، وكانت أراضيها تشكل استثمارا زراعيا كبيرا للمواطنين قبل الاحتلال، لكن بدأت الزراعة ومقومات البقاء تتراجع فيها كغيرها من مناطق الأغوار منذ احتلالها عام 1967.

وأكد دراغمة أن الاحتلال يقوم بسياسات ممنهجة لتهجير سكان المنطقة من خلال عدة أساليب، تتمثل في عمليات الهدم المتكررة كما حدث العام الماضي 2021، حيث تعرضت حمصة الفوقا للهدم سبع مرات، وتم إبعاد العديد من عائلاتها من مكان سكنهم الأصلي.

كما أن الاحتلال ينتهج سياسة الطرد للسكان من أجل إجراء تدريبات عسكرية في محيط خيامهم عدة مرات سنويا، في ظروف صعبة صيفا وشتاء، وما يترتب على ذلك من مخاطر، فضلا عن ملاحقة المواطنين والاعتداء عليهم من قبل المستوطنين في المنطقة.

ويضاف لذلك، الإخطارات بالهدم تحت مسميات مختلفة، مبينا دراغمة أن الإخطارات عادة ما يتم اتباعها بعمليات هدم مباشرة بهدف ترحيل السكان، فالاحتلال يتخذ عدة ذرائع للإخطار ومنها عدم الترخيص، في المقابل تبنى وحدات ومنشآت استيطانية بشكل يومي دون توقف.

ونوه إلى أن هناك ترابطا بين كافة مؤسسات الاحتلال بمسمياتها المختلفة لتهجير السكان، وكل ذلك لخدمة الاستيطان الذي يلتهم المزيد من أراضي الأغوار يوما بعد يوم، حيث تشير المعطيات لديه أن في الأغوار الشمالية وحدها هناك أكثر من 17 مستوطنة وبؤرة استيطانية، والعديد من معسكرات الجيش.

عن (وفا)