مرج صانور.. بحيرة للمتنزهين ودمار للمزارعين

مرج صانور.. بحيرة للمتنزهين ودمار للمزارعين

جنين – خبر 24 – تقرير رائد أبوبكر

إلى الجنوب من مدينة جنين، شمال الضفة الغربية، يقع ثالث أكبر مرج زراعي في فلسطين، وهو مرج صانور، مساحته ما بين 14 إلى 18 ألف دونم، في فصل الشتاء، وخاصة في الموسم الذي يشهد فيه أمطارا غزيرة، يتحول المكان إلى بحيرة، حيث تتجمع فيه مياه

الأمطار، يجذب مئات المواطنين من محافظات مختلفة لالتقاط الصور التذكارية والاستمتاع بالمشهد الجميل الخلاب، وخاصة ممن حرموا من مشاهدة البحر، والوصول إلى الساحل الفلسطيني المحتل، الذي يبعد عن محافظة جنين بضع كيلومترات.

هذه البحيرة، إن جاز التعبير، لها فوائد عند قوم، ودمار لآخرين، فامتلاء مرج صانور بالمياه إنما يعبر عن غزارة الموسم المطري، إلا أن ذلك يخفي وراءه معاناة كبيرة لمئات المزارعين من أصحاب الأراضي في مرج صانور.

متنفس للمحرومين

عند زيارتك للمكان، تشاهد على الشارع الرئيس الممتد على طولها مئات المواطنين القادمين من أنحاء مختلفة من محافظة جنين والمحافظات المجاورة لمشاهدة "بحيرة صانور"، كما أطلق عليها الكثيرون، للاستمتاع بجمالية مشهد المياه المتجمعة على مد البصر هناك، فالمنطقة تتحول لمكان سياحي، تنتشر عبر الأطراف عربات الباعة المتجولين، منهم من يبيع الترمس والفول، وآخر يبيع المشروبات الساخنة، ومنهم من يقدم خدمات المأكولات السريعة.

أحمد الأسمر، أحد المتنزهين، التقيناه هناك، يقول، "حضرت هنا ومعي أبنائي للاستمتاع بمشهد البحيرة، فنحن لم نر البحر في حياتنا، وممنوعون من الدخول إلى الأراضي المحتلة عام 1948 لمشاهدة الأماكن السياحية والترفيهية هناك، فهذه فرصة لا يجب أن تضيع، وخاصة في ظل جائحة كورونا، وإغلاق الأماكن السياحية والترفيهية، ومنع السفر، فقد وجدنا ضالتنا هنا في مرج صانور حيث مشهد المياه الرائع".

محمد بدارنة، الذي كان يتناول بعض حبات الترمس مع خطيبته يقول، "الكثيرون هنا ممن تواجدوا على حافة بحيرة صانور لغرض التنزه والاستجمام في حال ذهول من مشهد الماء المفقود في الضفة الغربية، والتي تُعرف جغرافيا أنها شريط ساحلي ممتد على البحر المتوسط، ولكن كثيرا من أبنائها لا يعرفون هذا الساحل، ولم يروه قط، ليصبح مشهد الماء عشقا يتم السفر لرؤيته".

بينما عبد الله خمايسة من اليامون، فقد حقق حلم أطفاله بزيارة البحر ورؤيته على أرض الواقع ويقول "طالما تمنى أطفالي زيارة البحر من خلال المشاركة في الرحلات إلى مدن فلسطين الساحلية المحتلة إلا أن الرفض الأمني لي ولزوجتي وقف عائقا أمام تحقيق رغبتهم، بالإضافة إلى جائحة كورونا التي وضعت الجميع في سجن كبير، فوجدت في بحيرة صانور متنفسا لتلبية رغبة أبنائي وإسعادهم بمشاهدة هذا المنظر الجميل".

بينما الأربعيني محمد ولد علي، والذي يمتلك عربة لبيع الترمس والفول، يقول، "أنتظر هذا الموسم بفارغ الصبر ليتجمع الناس هنا، ففي الوقت الذي تنعدم فيه فرص العمل في الضفة، والرفض الأمني للعمل في الداخل المحتل، أبيع الفول والترمس، أتواجد في المكان عند الساعة العاشرة صباحا حتى غروب الشمس، وكم أتمنى أن تبقى هذه البحيرة لأبقى على رأس عملي".

وتعود أسباب تشكل البحيرة إلى أن سهل صانور محاط بكتل جبلية، على أرض منخفضة، تتألف من تربة "كارستية" لا تستوعب كمياه كبيرة من الماء.

"مصائب قوم عند قوم فوائد"

ففي الوقت الذي يظهر مشهد البحيرة سعادة ومتنفس للكثير من المواطنين، إلا أنه يشكل من الناحية الأخرى مصدر إزعاج وقلق لأصحاب الأراضي في مرج صانور، حيث لا يستفيدون منه خلال الموسمين الشتوي والصيفي، رغم أن مرج صانور من أخصب الأراضي السهلية.

المزارع محمد العيسة، والذي يمتلك عشر دونمات في مرج صانور، يستذكر كيف كان يزرع الآباء والاجداد البقوليات والحبوب والخضروات في السهل، لكن ومنذ أكثر من عشرين عاما أصبح المكان غير متاح للزراعة.

ويضيف، أن القطاع الزراعي، كما كل عام، قد دُمر بالكامل بعد غرق المحصول وإتلافه، فالمرج يشكل قيمة اقتصادية كبيرة للمزارعين إلا أن مشكلة تدفق المياه حولت الوضع إلى كارثة زراعية كبيرة، وهذا المشهد الذي يحبه المواطنون يخفي وراءه معاناة كبيرة لمئات المزارعين من أصحاب الأراضي الذين تتبخر أحلامهم في إمكانية زراعة أرضهم في موسمي الشتاء والصيف، كون هذه الأمطار تحتاج لفترات متأخرة من الصيف حتى تزول.

وأشار المزارع العيسة، "لقد طالبنا بإيجاد الحلول لمأساة غرق المرج، ونسمع منذ سنوات عن مشاريع لتصريف المياه"، موضحا، أنه في عام 2005 شكلت عدة وزارات من بينها الحكم المحلي والزراعة لجنة مهمتها دراسة إنشاء مشروع زراعي مائي سياحي في مرج صانور، لكن لا جديد على أرض الواقع حتى هذه اللحظة.

المرج يحتاج لمشاريع وموازنات ضخمة

مجلس قروي صانور لجأ في وقت سابق إلى حفر آبار زراعية وسط مرج صانور لاستيعاب بعض المياه المتدفقة، وتم بناء 20 بركة زراعية بمساحة تتراوح بين الدونمين وأربع دونمات، تبلغ سعتها حوالي 20 ألف متر مكعب، وتتم الاستفادة من مياه الآبار والبرك الزراعية في ري المزروعات الصيفية، لكن مشكلة تدفق المياه في المرج، والذي يصل ارتفاعه في بعض المناطق إلى ثلاثة أمتار، تحتاج لمشاريع وموازنات ضخمة للحد منها بالشكل المطلوب.

يشار، إلى أن مرج صانور غرق في السنوات الماضية، لكن أشهرها كان في سنوات 2003 و 2013 و 2015 و 2018 و 2019 بالإضافة إلى العام الجاري، وبدأت البحيرة في الظهور وبداية تشكل غرق مرج صانور في عام 1991 حينها هطلت الثلوج بغزارة في كل المدن الفلسطينية، وأحدث ذلك فيضانات وغرقت معظم المزروعات.

باحثون وخبراء في مجال البيئة والطبيعة أشاروا إلى أن مرج صانور وميثلون يقع بين سلسلة جبلية تفتقر لخدمة تصريف مياه الأمطار التي تتجمع في السهل، وفي السنوات التي يكون فيها معدل الأمطار مرتفعا مثل هذا العام، تتجمع كميات كبيرة من المياه فيتحول السهل إلى بحيرة.

ويبقى التساؤل، إلى متى سيبقى مرج صانور سهلا غارقا وعائقا أمام المزارعين لتدمير محاصيلهم كل موسم شتوي، وهل الحكومة تستطيع تقديم دعم وحلول جذرية حتى لا تتكرر المعاناة كلما دار الزمن دورته؟.

IMG_20210305_162601
IMG_20210305_162554
IMG_20210305_162456
IMG_20210305_162430
IMG_20210305_162422
IMG_20210305_161443