يوم عادي في المخيم

يوم عادي في المخيم

جنين- صباح هادئ يستيقظ عليه مخيم جنين بعد ليلة متوترة تخللها اقتحام جيش الاحتلال واعتقال شابين.

تقترب الساعة من الحادية عشرة والنصف صباحاً، صوت الصباح لا يعكره شيء في أزقة المخيم الضيقة في الحارة الخلفية للمخيم والتي استيقظت قبل أسابيع على مشهد اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة.

التقينا الحاجة وجيهة 74 عاما على مدخل منزلها الذي سكنته بعد اجتياح المخيم عام 2002 وهدم بيتها القديم، بجملة واحدة وصفت فيها حال الساكنين "حياتنا كلها توتر بالمخيم".

داخل غرفة مفتوحة على زاوية المطبخ وضع فيها عدد من الكنب، جلسنا والسيدة وجيهة التي أكدت لنا أنها تركت فراشها قبل أقل من نصف ساعة فقط، فمنذ الأحداث الأخيرة في مخيم جنين اعتادت كما بقية الساكنين على السهر لوقت متأخر، وهو ما يجعلهم يتأخرون في النوم حتى منتصف النهار، "الليلة ما نمنا، دخلوا بعد الساعة 2 وضلوا لبعد الفجر"، تقول الحاجة وجيهة.

تتابع: "كنت اتحضر للنوم، وفجأة سمعت صوت القنابل، كان عاليا وقريباً، كلما أطلقوا القنابل من جديد كنت أحس اقترابهم أكثر، حتى ظننت أنهم سيقتحمون بيتي".

واقفا إلى باب الغرفة الموارب يكمل الحفيد محمود 13 عاما كلام الجدة، "صحيت على صوت الجيش بالحارة، هم يقتحمون المخيم من هذه الحارة تحديدا ويترك الاقتحام هنا أنا رأيتهم ولم نستطع النوم".

على الرغم من أحداث الليلة الماضية تستعد الحاجة وجيهة لتمضية نهار عادي في بيتها في حي الزايد في المخيم، وهو الحي الذي شيد بعد اجتياح عام 2002 وتدمير حارات المخيم القديمة.

تقول "نسميه يوما عاديا لكن الحقيقة أن أيامنا لم تعد عادية فكل ليلة نتوقع اقتحام قوات الاحتلال إما لاعتقال الشبان أو لقتلهم، لقد تحول ليلنا إلى نهار ونهارنا إلى ليل، لا تجد من يستيقظ قبل الساعة الثانية عشرة ظهراً إلا القليل".

"بطل في صدمة او مفاجأة في حياتنا، والموت صار روتين، بكل بيت في فقيد"، تقول وجيهة.

وتضيف "نعيش في توتر دائم ولا نحس في قيمة النهار، انظري إلى هذه الورود كيف جفت وماتت لقلة العناية بها"، تشير وجيهة إلى مجموعة من النباتات الداخلية الموضوعة على نافذة مطبخها.

ذاتها وجيهة فقدت ابنها البكر في اجتياح المخيم قبل 20 عاما، تقول إن أيام المخيم العادية هي الأيام التي تخلو من إعلان شهيد في أحد بيوته.

وتتابع أن عيد الأضحى المبارك مر بزيارة قبور الشهداء وبيوت العزاء التي تفتح أول أيام العيد عند أهالي الشهداء الذين فقدوا فلذات أكبادهم قبيل العيد.

نهاري الطبيعي كسيدة في المخيم يختلف عن نهار أي سيدة أخرى في أي منطقة أخرى، تختم وجيهة حديثها بهذه العبارة.

داخل فرن قديم في منتصف حارات المخيم يجفف كمال عواد (32 عاما) عرق وجهه بقميصه، حدثنا عن اقتحامات المخيم المتكررة والتي قلبت حال ساكنيه، "أصحو باكراً لأني صاحب مخبز لكن شباب المخيم ينامون بالنهار ويسهرون في الليل لحمايته من اقتحامات جيش الاحتلال"، يقول كمال.

ويضيف أن الشيء العادي هو الاقتحام الليلي للمخيم، وإن النهار هو لتفقد وضع المخيم والأهالي، "فقبل الظهر لا تصحو بيوت المخيم، وبعدها نبدأ بتفقد الأهالي والأضرار التي تركها الاقتحام ثم ننطلق إلى أعمالنا المعتادة".

ويؤكد عواد أن الاقتحام الليلي المتكرر للمخيم صنع روتينا مختلفا للأهالي، فاختلفت أفراحهم وعلاقاتهم الاجتماعية، ويقول "من بداية عام 2022 لم يمر يوم تقريبا في المخيم دون بيت عزاء، وإن مر يوم دون ارتقاء شهيد نسأل بعضنا معقول اليوم ما في شهيد".

"أعراسنا قاربت بيوت الأجر، تعلو فيها أصوات الأغاني الوطنية، وتوزع الولائم عن أرواح الشهداء، حتى الدعوة مقرونة بعبارة: تفضلوا على الطعام عن روح الشهيد.."، يقول عواد.

يقلب كمال بعض أرغفة الخبز على نار فرن الحطب القديم الذي يعمل فيه، ويقول عن ترابط أهالي المخيم "قبل أيام استقبلنا عيد الأضحى المبارك، كانت حركة الشارع قليلة جداً قبل وخلال أيام العيد فالكل يعيش في توتر وخوف، أما يوم العيد فامتلأت المقابر بالزوار مباشرة بعد صلاة العيد وحتى وقت متأخر من يوم العيد".

ويضيف "يخاف الواحد منا على نفسه لأنه يخاف على عائلته من بعده، حتى الأطفال صار حديثهم العادي يتمحور حول الاحتلال والاقتحامات والشهداء، الاحتلال يحاول تدميرنا من الداخل، ويسعى لتغيير حياتنا الطبيعية وإلغاء حياتنا الاجتماعية".

وختم عواد: "نهار المخيم العادي هو ذات النهار الذي يمر في ترقب ليل المخيم المتوتر".

عن (وفا)