عودة العلاقات مع الاحتلال .. كيف ؟ ولماذا ؟

عودة العلاقات مع الاحتلال .. كيف ؟ ولماذا ؟

بقلم: عبدالله كميل

ابتداء وحتى لا يذهب احدا الى اعتبار موقفي هلاميا، فأنا لست ضد عودة العلاقة بيننا وبين الاحتلال والتي حددتها مرجعيات قانونية مستقاة من اتفاقية اوسلو وغيرها وبالشكل الذي يخدم مصالح شعبنا، لانني ضد شطب فلسطين عن الخارطة، فالمعادلة خطيرة ومن لا يدرك الى اين وصلت الامور فبإمكانه ان يخطب ليل نهار مطبلا ضد عودة العلاقة مع الاحتلال، حيث ان من يشعر بالمسؤولية الوطنية عن شعب بأكمله ويدرك أهمية احتياجاته ومتطلباته، انسانيا واقتصاديا ووطنيا وسياسيا، لا يبني مواقفه وقراراته بالشكل الذي يبنيها من هو غير مسؤول عن ذلك.

عندما اتخذت القيادة قرارا بوقف كل اشكال العلاقة مع الاحتلال، فوجئ الكثيرون وشكك الكثيرون ايضا واستمر الامر لشهور ستة متحملة القيادة وشعبنا اعباء وتبعات هذا القرار ماليا واقتصاديا، وكذلك الضغوط الكبيرة والتهديدات من هنا وهناك.. وكان هذا القرار حلقة من سلسلة حلقات هادفة للضغط على الاحتلال الذي امعن اجراما بحق شعبنا ومؤسساته ومن ضمنها الامنية .. القرار جاء تنفيذه مرتبطا بموضوع الضم الذي اعلنت عنه اسرائيل بدعم امريكي .. وقد اعلن ان عودة الامور الى سابق عهدها لن تتم الا حينما تعلن اسرائيل عن العوده عن هذا المشروع .. استمرت اسرائيل بالضغط بالمقابل لعلها تكسر موقف السلطة .. فتحت الحدود وادخلت الناس للداخل بدون تصاريح .. الالاف من الناس ذهبوا مباشرة الى مكاتب التنسيق الاسرائيلية وبطريقة مذلة لابناء شعبنا.. "المنسق" فتح صفحته للجميع وكل الهدف الضغط على السلطة.. والأقسى دخول العديد من الجهات الداخلية ضاغطة على السلطة مطالبة بالرواتب كاملة، بالرغم من علم القاصي والداني ان عدم توفر المال مرتبط بموقف السلطة القاضي بعدم التنسيق المدني والامني مع اسرائيل، وان الحصول على اموال المقاصة يعني العودة للتنسيق.. لا يوجد اي مجال اخر للحصول على اموالنا، ففلسطين الدولة تخضع للاحتلال، ولنكن موضوعيين فهل بالامكان ادخال اي من المتطلبات بعيدا عن الاحتلال وهذا ما ينطبق على غزه ايضا فهل بالامكان ادخال اي شئ دون التنسيق مع اسرائيل سواء بشكل مباشر او عبر طرف ثالث؟؟!!

ما حصل ان تغيرات جوهرية حدثت منها عدم الاعلان رسميا عن الضم من قبل اسرائيل، وكذلك التغيرات الحاصلة في امريكيا حيث رحيل ترامب الراعي المباشر بل المشارك للاحتلال عبر تشريعه للاستيطان، والداعم لضم اكثر من ثلث الضفة لاسرائيل عبر ما يسمى بصفقة القرن، حيث ان رحيله شكل صفعه للاحتلال وتحديدا لنتنياهو وحكومته وبالمقابل جاء جو بايدن الذي اعلن ان صفقه القرن لا تلزمه واعلن وعبر رسالة خطية عن ان الحل يكمن بدولتين وعدم شرعية الاستيطان، وكذلك وعد باعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وكذلك اعادة الدعم للفلسطينيين بعد ان اوقفه ترامب سواء الدعم المباشر او غير المباشر عبر بعض الدول العربية التي شاركت وبقرار امريكي بحصار الشعب الفلسطيني ماليا واقتصاديا ناهيكم عن انهيار جزء من النظام العربي الرسمي وخروجه عن مقررات القمم العربية عبر تطبيعه مع دولة الاحتلال .

وهنا وأمام كل هذه المتغيرات كان لابد من قرار فلسطيني جريء حتى لا تدخل فلسطين بصدام مع الادارة الامريكيه الجديدة، ومن هنا جاء الاعلان عن عودة العلاقات كما كانت مع الاحتلال علما ان العلاقة لا تعني الخضوع للاحتلال، كما يروج المرجفون، بل ان العلاقة هي علاقة قائمة على الصراع بين قيادة شعب محتلة ارضه يناضل من اجل الحرية والاستقلال وبين احتلال مجرم وفاشي يستخدم كل الطرق من اجل ترسيخ سيطرته الى الابد، وما حصل طوال الستة شهور الماضية ما هو الا حلقة من سلسلة حلقات نضالية هادفة الى تحقيق المشروع الوطني .

هناك من وقف ضد الخطوة التي اعلنت عنها القيادة الفلسطينية ببراءة، وهناك من كان بلسانين احدهما ضاغط على القيادة في الغرف المغلقة من اجل عودة التنسيق والحصول على اموال المقاصة، والاخر منتقدا القيادة على موقفها بعودة العلاقة وذلك في وسائل الاعلام معبرا عن انتهازية مقيتة، وهناك من انتقد الطريقة والاخراج غير معترضا على الموقف..وهناك من القوى التي صبت جام غضبها على القيادة ومن ضمنها "حماس" التي تحاور القيادة منذ سنوات للوصول الى اتفاق داخلي يؤدي الى تحقيق الوحدة الوطنية وذلك قبل اقدام القيادة على وقف التنسيق الامني والمدني، وهناك من تجاهل الاسباب السياسية الهامة التي دفعت لاتخاذ هذا القرار وركز على موضوع رسالة من جاءت باسمه الرسالة من الجانب الاسرائيلي غير مدرك ان صمت القيادة الاسرائيلية يعني تبني ما جاء بالرسالة من اعتراف ضمني بمرجعية العلاقة القانونية ممثله بالاتفاقات الاسرائيلية الفلسطينية والتي تعني دحض اي قرار اسرائيلي يتناقض مع ما جاء بهذه الاتفاقيات.

ينبغي اخيرا الاشارة الى ان التنسيق وتحديدا الامني لم يحم الاجهزة الامنية من تدمير مقراتها الامنية والعسكرية، ولم يحم ضباطها وافرادها من الاستهداف قتلا وجرحا وأسرا في الانتفاضة الثانية، لا بل كان عدد الشهداء من افرادها قد بلغ ضعف شهداء كافة الفصائل ما يدلل ان التنسيق لم يكن يوما خيانة كما روج البعض فالتنسيق بين الخصوم والاعداء حتى في ساحات المعارك .. والتعاون والتطبيع بين الاصدقاء.. والحرب لم تنته بعد بيننا وبين المحتلين ولا ثقة بهم.. وهذه محطة من المحطات والمسيرة طويلة

اعانك الله يا شعب فلسطين ورئيس فلسطين، الذي ولوحده من الزعماء معتمدا على صلابة شعبه، قال اللاءات العديدة لرؤساء امريكيا .