أمام مرآة الثامن من آذار

أمام مرآة الثامن من آذار

أمام مرآة الثامن من آذار

ريما كتانة نزال

يتم التعامل مع يوم الثامن من آذار كيوم لإعلاء صوت النساء ضد التمييز الممارس ضدهن، وللوقوف أمام مرآة الثامن من آذار، سواء عكست الصورة الإيجابية المتقدمة أو عكست الصورة السلبية البائسة تبعاً للواقع المعاش ومؤشراته الرقمية ودلالات محتواه. فيوم المرأة العالمي الذي تكرس من خلال تضحيات نساء العالم في سعْيهن نحو رفع الميْز الممارس ضدهن، يستحق من الفلسطينيات تسليط الضوء حول واقعهن من مختلف الوجوه والزوايا وللتذكير بالخطط والوعود والخطابات والشعارات، ارتباطاً بواقع النساء تحت الاحتلال وحاجة الواقع إلى امرأة قوية وحرة للمساهمة في تحرير الوطن.
في فلسطين، لا يحتار المرء في توصيف الواقع الحقوقي للمرأة على الرغم من الانطباعات التي تتركها ثورة الشعب الفلسطيني في الأذهان، كثورة من أجل الحرية والتغيير ورفع الظلم والاضطهاد والعنصرية عن الشعب بجميع فئاته وشرائحه وقطاعاته الاجتماعية دون تمييز. فالانطباعات التي تتركها الشعارات البراقة لها مدة صلاحية، لتترك للمعرفة العلمية لتقول كلمتها عن المتاهة لتكشف المأزق الذي تعيشه المرأة على غير صعيد، عندما تطرد الحقائق العالق من الانطباعات لتظهر خلفها الطريق غير النافذ أمام مرور الحقوق والقوانين الضامنة لتعزيز المشاركة بجميع أشكالها والوصول إلى المساواة القانونية، بعد خمسة وعشرين عاماً من النضال النسوي من أجل الديمقراطية.
المتاهة التي تزجنا بها الحكومة من خلال منح بعض الانجازات المجتزأة من المطالب الكلية، بوعي تام إلى أن التجزئة تؤدي إلى تجويف الإنجازات وتفريغها من محتواها التغييري، مطمئنة إلى عدم إسهام المنحة في تغيير الواقع التمييزي ولا تموضع النساء في مواقع قانونية ترفعهن من وضعهن الدوني قانونياً الذي يبقيهن كائنات قاصرة إلى الأبد، لأن من يملك رؤية ويعمل من أجل ترسيخ حقوق المواطنة سيترتب عليه صناعة السياسات، وأن يجترح التدخلات والإجراءات الشاملة من بينها مراقبة مفاعيل التطورات القانونية على الأرض ويقيس دورياً مدى تكريسها في الوعي العام، لأن الحقوق الكلية الشاملة البعيدة عن التجزئة ستؤدي منطقياً إلى إنهاء التمييز تدريجياً.

وللدلالة على منهج تجزئة الحقوق وتقسيطها؛ فليس أدلّ على ذلك من الاستشهاد بالتعديلات القانونية الأخيرة، ممثلة بقرار الحكومة رفع إجازة الولادة للموظفات إلى 14 اسبوعاً ومنح الموظفين ثلاثة أيام إجازة لمساعدة الزوجة وقرار خاص بالرقابة على التساوي بالأجور. وإذا ما عدنا للخلف مع قرارات أو تعديلات صادرة على قلتها، سنجد ما يبرهن على تفضيل التجزئة أو تخفيض سقوفها مثل قرار سن الزواج المحصن بالاستثناءات أو في تقسيط تطبيق قرار تخصيص نسبة 30% من مقاعد للمرأة في بنى وهياكل الدولة.

القرارات الحكومية السابقة لا يمكن إلّا الترحيب بها إذا ما قدر لها النفاذ بسبب ثغراتها ونواقصها. إشكالية القرارات المذكورة في أنها تتم ضمن عملية مقايضة مع إصدار قانون حماية الأسرة من العنف المنتظر منذ عقد من الزمن، وهو القانون الذي قيل به «ما لم يقله مالك في الخمرة» بسبب إلصاق التهم به والتشويه الذي تعرض له دون وجه حق، وحورب بلا هوادة على طريقة «أم المعارك»، من أول اجتماع عشائري وحتى آخر اجتماع مجلس مركزي.

القرارات الحكومية توقعنا في متاهة، فالأساس في قوة القانون ونفاذه في المرحلة الحالية في التوجه مباشرة إلى تنسيبها إلى السيد الرئيس من أجل صدورها بموجب قرار بقانون..حتى تصبح نافذة المفعول وليستمتع الموظفون والموظفات بايجابياتها. فلماذا تلجأ الحكومة إلى إصدار قرارات بينما تعلم أن الأمر من صلاحيات الرئيس بحكم المادة 43 من القانون الأساسي بسبب حل المجلس التشريعي وتأجيل انتخاباته إلى أجل غير مسمى!؟

السبب خلف قرارات الحكومة أنها أصبحت تستسيغ الاعتماد على التجزئة كشكل من أشكال التطبيق. وثانيهما: لتوظيف بعض القرارات المجتزأة في تسكين الأجواء أو تخديرها في البعد المحلي دون تجاهل مخاطبتها البعد الدولي الذي بدأ يتابع ويسائل!

دون التوسع في توصيف القرارات من حيث لغتها التي اعتبر فيها أن إجازة الوالد (الزوج) بهدف مساعدة الزوجة! بما يوضح أن ليس في سياسة أصحاب القرار مبدأ التوجه نحو التغيير وإحداث الوعي الحقوقي تبعاً للتغيير في الأدوار، فالقرار كما صدر يُخاطب واقع الموظفين والموظفات ومسؤولياتهم، فالموظفة تخرج للعمل من أجل زيادة الإنتاج وتحسين دخل الأسرة، وبالتالي تصبح مسؤولية الإعالة على كل من الموظف والموظفة وكذلك المسؤوليات والأعباء الإنجابية، لذلك على الخطاب التعامل مع مستجد وواقع مختلف عن المكرس بالأذهان التقليدية. وأن ما كان يعتبر كأحد التابويات في لحظة سابقة، أصبح واقعاً مختلفاً في لحظة راهنة.

وما ينطبق على قرار الإجازات ينطبق على قرار الرقابة على التساوي في الأجور، وهنا يصبح السؤال: أليس الأجدر الذهاب إلى إقرار مبدأ التساوي في الأجور للوظيفة الواحدة وخاصة في القطاع الخاص والرقابة على التطبيق؟ ومن باب أولى إقرار الرقابة على تطبيق الحد الأدنى للأجور!
وأخيرا، اقترح مجدداً التمعن بالتطورات الجارية بتسارع في تطوير واقع حقوق المرأة السعودية، كمثال صالح للدلالة على التغيير الحاصل حين تتوفر الإرادة السياسية، حينها فقط تتحقق الأحلام والأهداف التي تكون صعبة المنال.